2024-03-19

زلزال الأرجنتين وميسي وصفعة الاحتلال..!!

2020-09-25

بقلم/ عاهد عوني فروانة / لم يكن حدثا عاديا أن يوافق منتخب الأرجنتين على الاستجابة لدعوة حكومة نتنياهو باللعب في القدس المحتلة في الذكرى السبعين لقيام ما يسمى بدولةإسرائيل واحتفاء بنقل السفارة الأميركية إلى المدينة المقدسة، فالمباراة بذلك الشكل لم تعد رياضية بل كان مقررا استدراج منتخب التانجو إلى شرك سياسي خبيث من خلال استغلال شعبيته الهائلة في العالم ووجود نجم بحجم ميسي يوافق على لعب هذه المباراة المشؤومة وما يوفره من دعاية رهيبة في العالم تفوق زيارة أي رئيس أو ملك ..!

لذا كانت التحركات الفلسطينية الدؤوبة من خلال الوقفات الاحتجاجية على هذه المباراة السياسية والتي تخدم أهداف الاحتلال وتوجيه الرسائل والمناشدات حتى وصل الامر الى التهديد بفضح الأرجنتين والتنغيص عليها في حملة استضافتها لكأس العام 2030م وشارك الأشقاء والأصدقاء من أحرار العالم وخاصة جامعة الدول العربية ومنظمات البي دي أس التي نوجه لها الشكر والتقدير على جهودها.

هذه الحملات المكثفة أقامت الحجة على الأرجنتين دولة ومنتخبا ونجوما، فلم يعد لهم مبررا أنهم لم يعرفوا أن الاحتلال حوّل المباراة من طابعها الودي الرياضي إلى خدمة مطامعه الاستيطانية من خلال نقلها من مدينة حيفا الى القدس والتي لا يعترف معظم دول العالم ولا المنظمات الدولية بأحقية إسرائيل في جعلها عاصمة لدولتهم أو ضمها.

لذا كان الزلزال الكبير والخبر المفاجيء، والذي لم أتوقعه شخصيا خصوصا انني أعلنت عدم تشجيعي لمنتخب الأرجنتين رغم عشقي له في كأس العالم اذا ما لعب هذه المباراة المشؤومة، بأن يرفض المنتخب الأرجنتيني المشاركة في هذا اللقاء استجابة للضغوط الكبيرة التي تعرض لها.

الكثير من الجدل ثار في الإعلام العربي بكافة أشكاله وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وباتت الميول واضحة في تعظيم هذا الحدث الكبير لمحبي الأرجنتين وميسي في مقابل التقليل منه لكارهيهم، وهذا يكشف مدى عاطفيتنا في كثير من قراراتنا وتغلب التعصب الرياضي الذي نغلفه كعرب بشعارات الوطنية.

ما أود قوله في هذا الصدد وبحكم متابعتي للشؤون الإسرائيلية وكوني إعلامي رياضي أيضا أن إلغاء منتخب الأرجنتين لمباراته أمام منتخب الاحتلال بالقدس المحتلة ليس بالأمر الذي يمكن الاستهانة به أو التقليل من شأنه، فنحن نتحدث عن تدخل حكومة الاحتلال برئيسها نتنياهو ووزرائه والضغط من اجل إتمامهذه المباراة وتجهيز دعاية ضخمة لخدمة أهدافهم، حتى أن نتنياهو قال بأن إقامة هذا اللقاء سيكون مشجعا لكثير من دول العالم لنقل سفاراتها إلى القدس المحتلة مثلما فعلت الولايات المتحدة الأميركية.

أما بخصوص من تحرك ودفع الأرجنتين إلى إلغاء هذه المباراة فجميع الجهود كان لها دور مؤثر ولا يجوز التقليل من جهد أي جهة سواء كانت فلسطينية أو عربية او دولية، وما يحسب لاتحاد كرة القدم الفلسطيني والمؤسسات الرسمية والشعبية أنها لم تتفرغ لإدانة هذه المباراة فقط بل تحركت ونظمت الوقفات الاحتجاجية بالضفة والقطاع والخارج ووجهت الرسائل والمناشدات التي كشفت طبيعة هذه المباراة ما كان له أثر بالغ في القرار الأرجنتيني بإلغائها، وهذا يؤكد بأننا لنا القدرة كفلسطينيين ومعنا أحرار العالم في التأثير وبأدوات بسيطة إذا ما قررنا العمل المنظم والهادف والبعد عن تفريغ طاقاتنا في الأمور السلبية والتهجم والشتائم، فالتحرك الواعي والمنظم يشكل ضغطا كبيرا ويحقق ما نصبو إليه وهو ما أتمنى أن يتكرر في العديد من الملفات.

النقطة الأخرى التي أخذت حيزا كبيرا من الجدل هو أن إلغاء المباراة تم لأسباب أمنية وليس حبا من الأرجنتين لنا أو تعاطفا مع قضيتنا.. الغريب في هذا الموضوع أننا نريد من الآخرين أن يتماهوا معنا ومع قضيتنا دون الحديث بلغة المصالح، نعم الأرجنتين لم تلغ المباراة لأسباب وطنية أو مبدأية أو أنها تشعر بمعاناتنا وكأننا نعتبر قضيتنا هي القضية التي يعرفها كل العالم، الأرجنتين ونجومها لربما لم يسمع الكثيرون منهم بما حدث ويحدث في أراضينا بفعل جرائم الاحتلال، ولكن حينما تم مخاطبتهم ومناشدتهم والوقوف بكل قوة في وجه هذه المباراة عرفوا أنهم ينزلقون إلى مستنقع السياسة بما يكلفهم الكثير خصوصا وأنهم مقبلين على المشاركة بكأس العالم بروسيا ويحتاجون إلى التركيز الكامل بعيدا عن أية توترات هنا أو هناك سيكون لها تداعيات كبيرة عليهم، فكان قرارهم الصائب بعدم لعب هذه المباراة.

أما بخصوص التخوفات الأمنية التي أدت إلى إلغاء المباراة وهو ما ركزت عليه ماري ريغيف وزيرة الرياضة في حكومة الاحتلال كونها هي عرابة هذا اللقاء واستثمرت كل جهودها من اجل إقامته وكان إلغائه بمثابة الصدمة واللطمة الكبيرة لها تحديدا حتى أن أقطاب المعارضة داخل دولة الاحتلال هاجموها بشدة لأنها لم تستطع إدارة هذا الموضوع بنجاح، فهذه التخوفات الأمنية تشكل نقطة سلبية لدولة الكيان ويظهرها أمام العالم بأنها غير قادرة على حماية ضيوفها، وهو ما يعيدنا إلى رفض الاتحادين الأوروبي والدولي استضافة دولة الاحتلال المباريات الدولية في بداية الالفية الثانية عقب اندلاع انتفاضةالأقصى والذي استمر لعدة سنوات، حيث كانت مباريات منتخب الاحتلال تقام في قبرص ما كان له الأثر البالغ على سمعتها في العالم، وان يتكرر هذا الأمر من منتخب بحجم الأرجنتين ونجومه الكبار فهو بمثابة صفعة كبيرة في وجه الاحتلال الذي يحاول إظهار نفسه بأنه واحة الأمن والاستقرار في المنطقة كما قال رئيس وزراء الاحتلال السابق ايهود باراك ” نحن عبارة عن فيلا وسط غابة”.!

النقطة الأخيرة وهي دور ميسي في إلغاء المباراة وهو ما تحدث به الكثيرون وانتقد البعض التركيز على دور ميسي في هذا الجانب، رغم أن صحيفة “موندو ديبورتيفو ” الاسبانية تحدثت عن دور ميسي في إلغاء اللقاء، على أية حال نحن نتحدث عن نجم كبير وله شعبية هائلة في كافة أرجاء العالم والتركيز عليه في هذا الجانب يخدم أهدافنا، فالعالم سيتسائل عن أسباب عدم لعب ميسي والأرجنتين في القدس المحتلة، فسواء كان له دور مع النجوم الآخرين بالمنتخب، وهو ما يؤكده الرئيس الأرجنتيني ماكري حينما رفض استجداءات نتنياهو للعب المباراة قائلا بأنه لا يستطيع الضغط على المنتخب ونجومه، أو لم يكن له دور في ذلك، فاسم ميسي مرتبط بمنتخب الأرجنتين وسيقترن به في أي خبر هنا أو هناك، المهم أن نستفيد من ذلك ونستثمره بالشكل الصحيح حتى نخدم قضيتنا في العالم وكشف وفضح الاحتلال.

خلاصة القول ما حدث من إلغاء هذا اللقاء من جانب منتخب الأرجنتين اعتبره بمثابة الزلزال الذي هز أركان دولة الاحتلال وحتى اللحظة لم يستفيقوا من حجم الصفعة التي تلقوها، ومراجعة سريعة لتصريحاتهم تكشف حجم الإهانة التي يشعرون بها، وهو ما يدفعنا للتأكيد على ضرورة عدم الاستهانة بما حدث أو التقليل منه بل يجب علينا أن نبني عليه واستثماره بما يخدم أهدافنا الوطنية والرياضية.