2024-03-28

الأهلي المصري في غزة!

2011-11-27

بقلم الأستاذ/ ياسر أيوب
تلقيت أكثر من رسالة ومكالمة تليفونية من أبناء غزة.. مع تفويض رسمى من مكتب إسماعيل هنية، أحد قادة حماس الكبار، رئيس حكومة غزة المقالة، لنقل دعوة من غزة كلها إلى النادى الأهلى للسفر إليها يوما واحدا، بعد توقف الدورى عقب الأسبوع السادس واللعب هناك أمام منتخب أندية غزة، احتفالا بنجاح صفقة الأسرى الذين نالوا حريتهم أخيرا وعادوا إلى بيوتهم بفضل جهود ودعم وإدارة مصرية..

ولا يريد أبناء غزة نجوم الأهلى الكبار على أرضهم لمجرد لعب الكرة، وإنما يحلمون بما هو أكبر وأهم.. هم يريدون لفت الانتباه إلى واقعهم السياسى والرياضى أيضا.. يشعرون بمرارة تجاهل ونسيان الكثيرين لهم ومرارة واقعهم ومواجعهم..

يجرحهم أن يهتم العالم كله بهم حين تحاصرهم وتقصفهم وتقتلهم إسرائيل، أو يصفق العرب جميعهم لتركيا حين تعلن إصرارها على خرق حصار غزة.. لكن لا أحد يهتم بغزة نفسها وأولادها وأيامها وأحلامها ويلتفت إلى ذلك دون حاجة لمزيد من الرصاص والخراب والدم..

وقد لا يوافق كثيرون هنا فى مصر أو خارجها ويقبلون تلك الرؤية ويقتنعون بأن زيارة فريق كرة، أو مباراة تقام على أرض غزة يمكنها أن تؤدى إلى أى تغيير حقيقى على الأرض..

وبالتأكيد لهؤلاء الحق ومعهم العذر فى هذا التصور مادامت الكرة بالنسبة لهم هى مجرد اللعبة الجميلة أو الخشنة الحافلة بالأهداف وفرحتها، والخسارة ومرارتها وعبث المال والشغب والخلافات والمصالح الشخصية.. وهو خطأ الذين ينظرون للكرة بهذه الصورة ويحبسونها داخل هذا الإطار الضيق والمزيف.. والتاريخ الإنسانى حافل بتغييرات سياسية قامت بها كرة القدم، ربما لا يلحظها أو يتوقف أمامها الجمهور الضخم الذى لا يرى من الكرة إلا مبارياتها وأهدافها..

فالمهاجرون القادمون من سويسرا للعيش فى الشمال الإيطالى.. لم يجدوا إلا الكرة خلاصا لهم من عنصرية أهل ميلانو ورفضهم الغرباء، وقرروا تأسيس فريق كروى يحمل اسم إنتر ميلان.. أى كل ميلانو، لمواجهة غطرسة وضيق أفق كبار المدينة وأغنيائها وناديها إيه سى ميلان.. ونجحت الحكاية أو نجحت الكرة فى إقرار حقوق سياسية واجتماعية..

وفى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى قامت الكرة بهذا الدور فى حياة كثير من الفلسطينيين.. وهناك كتاب مهم جدا أصدرته جامعة كامبريدج بعنوان: «كرة عربية داخل دولة يهودية» ومؤلف الكتاب هو الأمريكى تامير سوريك، أستاذ الاجتماع والدراسات الإسرائيلية فى جامعة فلوريدا، ويقدم هذا الكتاب حكايات وشهادات ونماذج لكل ما تستطيعه وتقدر عليه الكرة داخل مجتمع يحفل بالكراهية والعداء المتبادلين.. ويقدم «تامير» أمثلة لعرب داخل المجتمع الإسرائيلى لم يجدوا إلا الكرة سلاحا لهم للمحافظة على هويتهم وعدم الذوبان فى مجتمع غريب ومعاد.. وأيضا أمثلة أخرى مضادة لعرب، نجحت الكرة فى تفكيك رفضهم لوجود إسرائيل والانتماء لأى ناد يهودى هناك ومتابعة انتصاره.. وقد تضمن هذا الكتاب حكايات كثيرة عن مصر..

ولماذا اختار الفلسطينيون الكرة المصرية نموذجا يقتدون به، ولماذا كان انتماؤهم.. فى غزة بالتحديد.. للأهلى والزمالك وبشكل طاغ يفوق حتى اهتمام جماهير هذين الناديين فى مصر نفسها..

والمفاجأة كانت ما رواه صاحب الكتاب عن صحفى مصرى اسمه حسن حسنى، هاجر إلى فلسطين وأصبح فى أربعينيات القرن الماضى أول من يكتب عن الكرة والرياضة فى الصحافة الفلسطينية ويكون أول صحفى رياضى فى فلسطين.. وأعود من جديد إلى الدعوة التى أحملها بالنيابة عن أهل غزة للنادى الأهلى..

هم يقولون إن الأهلى لكى يلعب هناك لن يحتاج أو يضطر للاحتكاك أو التعامل مع السلطات الإسرائيلية.. كما أنهم فى غزة لا يريدون زيارة أكثر من أربع وعشرين ساعة..

ولكنهم يتوقعون الكثير جدا من الضوء والاهتمام أثناء هذه الزيارة وبعدها.. ولا تزال ماثلة فى أذهان الجميع هناك صورة أبوتريكة فى كأس أمم أفريقيا،وهو يعلن تضامنه مع غزة وأطفالها.. ولست أظن أن الأهلى سيرفض هذه الدعوة أو يتجاهلها من أجل غزة العزيزة على قلب كل مصرى وعربى.

نقلا عن ” المصري اليوم ” المصرية